شخصية العدد (١): العلامة الأميني

الكاتب: محمد علي احمد

نستعرض لكم اليوم شخصية من عظماء الشيعة، ذاب في عشق امير المؤمنين، وافنى جلّ حياته في تاليف كتاب للتأكيد على هذه الحادثة فقط فمن هو يا ترى؟

نبذة عن العلامة الأميني؟ 

هو الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي النجفي وقد لقب بـ (امين الشرع) ولد في تبريز شمال غرب إيران سنة 1320 هـ وبدأ في دراسته مع والده ثم تردد على المدرسة الطالبية في طهران فعندما أنهى دراسة السطوح في عمر خمس عشرة عاما غادر مسقط رأسه إلى النجف.

وبعد ان نهل من علم علماء النجف عاد لتبريز، وبقي فيها لمدة غير قصيرة. كان له فيها مجالس وعد وارشاد وتهذيب في النفوس وقد عكف على المطالعة والتأليف فأنشأ اول ثمرة من ثمرات تأليفه وهو (تفسير سورة الفاتحة). 

ثم عاد إلى النجف قاصدا توطنها حيث إن نفسه الطاهرة اصرت على طلب العلوم فترك رغد العيش.

ومن آثاره انشاؤه مكتبة في النجف الاشرف سماها مكتبة امير المؤمنين (عليه السّلام) الّتي جمع فيها ما يقارب الاربعين ألف كتاب، بينها مئات المخطوطات وقد قام بستنساخ العديد من الكتب التي يحتاجها طلبة العلم ولازالت موجودة في مكتبته.

 كان مولعًا بقراءة القران الكريم حتّى كان يختمه أكثر من مرّة في نفس الأسبوع، كثير المطالعة حيث يطيل المكوث في مكتبته إلى منتصف الليل، كثير الزيارة للمعصومين (عليه السّلام) وخصوصا أبا عبد الله الحسين (عليه السّلام) إذ يقصده راجلا طالبًا المزيد من الأجر، مستغلًّا وقت سيره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا حل شهر رمضان ترك جل اعماله وتفرغ للقران الكريم والعبادة، غير ناسٍ لفروضه الاجتماعية تجاه ذوي الحاجات، المعزين والبائسين فكان كثير البر لاسرته.

توفي سنة 1390 هـ في طهران وقد شيعت تشييعا مهيبا ثم نقلت جثمانه الطاهر إلى النجف ودفن بالقرب من مكتبته.

ولديه عدة مؤلفات منها 

  1. تفسير سورة الفاتحة 
  2. سيرتنا وسنتنا 
  3. ثمرات الاسفار 
  4. موسوعة الغدير 
  5. شهداء الفضيلة 
  6. نظرة في كتاب منهاج السنة النبوية 

شذرات من حياة العلامة الاميني 

القصة الاولى: 

العلامة الأميني (قدس) كان مشغولا في تأليف موسوعته “الغدير”، وقد وصل إلى طريق مسدود فيما يرتبط بفصل مهم من فصول الكتاب، لأن الكتاب الذي فيه تتمة بحثه مفقود وتعطل البحث لفقدان الحلقة التي تربط سلسلة أحاديثه بعضها بالبعض، ولما عجز عن ذلك قصد كعادته حرم أمير المؤمنين (عليه السّلام)، واقفا أمام الضريح المطهر شاكيا إليه معاناته في الحصول على هذا المصدر. 

وفي اليوم الثاني زاره العلماء والفضلاء، فأخذ يسألهم عن الكتاب المفقود، فقال أحدهم: الكتاب الذي تبحث عنه في الأعظمية في بغداد (وهي منطقة يقطنها في الغالب أهل السنة) عند أحد علمائها، وهو متعصب جدا وناصبي، بالإضافة إلى أنه ضنين بكتابه لا يعيره لأقرب المقربين إليه، فكيف تستطيع الحصول عليه؟!! 

قال العلامة الأميني (قدس): أستعين بالله عليه، قال: في اليوم الثاني عزمت السفر إلى الكاظمية، وكان ذلك في شهر رمضان والوقت صائف وحار جدا، خرجت من النجف الأشرف فجرا قاصدا زيارة سيد الشهداء (عليه السّلام) في كربلاء، وكنت صائما ثم فطرت على الماء فقط، ومن ثم قصدت الإمامين الجوادين (عليه السّلام) في الكاظمية، وبعد أداء مراسم الزيارة توجهت إلى الأعظمية، لأبحث عن الكتاب المفقود وصاحبه. وصلت الأعظمية ضحى، سألت عن دار الشيخ فدلني أحدهم عليه، فلما طرقت الباب خرج الشيخ بنفسه، وما أن رأيته سلمت عليه مصافحا وأقبلت عليه معانقا، فبهت الرجل واستوليت على كيانه ومشاعره، قلت له: علمت أن في مكتبتك الكتاب الفلاني، وقد جئت من النجف لأطالعه وأقرأه، أخذ الرجل وبهت ولم يحر جوابا، وبحكم الهيمنة عليه ما استطاع أن يعتذر مني أو يردني، فقال: تفضل شيخي واصعد إلى المكتبة لتطلع على ما تريد، وصعد معي.

قال العلامة الأميني: دخلت المكتبة وشاهدت الغبار يعلو جميع أجزاء المكتبة، والكتب مبعثرة هنا وهناك، وكأنها مهجورة منذ زمن بعيد ولم تمسها يد منذ أشهر وربما سنين، تركني صاحب المنزل وحدي ونزل، عند ذلك فتحت حزامي ووضعت عمامتي وقبائي فيها وغطيتها عن الغبار، وابتدأت بتنظيف الكتب، وإزالة الغبار وعزلها، وأنا أتصبب عرقا من شدة الحر والجو الخانق، لا مروحة، ولا ماء، حتى ولا طعام، واختلط الغبار بالعرق على رأسي ووجهي وأطرافي، وأنا مشغول في مطالعاتي واستنساخي، حتى العصر وأخذني الإعياء، ولم أصل فريضتي الظهر والعصر، ولا مر علي أحد، وقد احتجت إلى الماء لأشرب وأتطهر.

عند ذلك طرقت الباب الداخلي فجاء الشيخ والنعاس في عينه فارتبك لما رآني بهذه الحالة، ثم قال: أنت لا تزال هنا؟!! وما هذا الغبار الذي يعلو رأسك ووجهك، فو الله لقد نسيت أنك لا تزال هنا بهذا الحر ونسيتك تماما، وقد تناولنا الغذاء ولم يبق عندنا شيء نقدمه لك من الطعام إلا القليل، قال الشيخ: لا بأس عليك، آتني بماء لأشرب وأتوضأ، فنزل مسرعا وجاء بالماء، وبعد أن أتم الشيخ صلاته جاءه بالطعام معتذرا لقلته، وقال: هذا الذي فضل من غدائنا مما يدل على أن شهر الصيام لم يصل إلى دارهم بعد.

القصة الثانية: كيف سيقابل أمير المؤمنين (ع) صنيع العلامة الأميني؟

يقول الشيخ محمد هادي الأميني:

مما لا ريب فيه أن العلامة الأميني ما كان يمكنه تأليف كتاب الغدير إلا بإمدادات غيبية من الأئمة المعصومين (ع)، وكان أهلا لذلك، لما تميز به شيخنا الوالد من الإخلاص والعبادة والتهجد وتلاوة آيات القرآن المجيد. 

فعندما أردت العودة إلى إيران من النجف الأشرف، وذلك بعد وفاة شيخنا الوالد – تغمده الله برحمته – سنة 1390 ه‍ ذهبت إلى سماحة آية الله السيد محمد تقي بحر العلوم – وهو من أحفاد بحر العلوم الكبير – فعندما رآني بكى، فقلت: ما يبكيك؟! 

قال: منذ أن توفي المرحوم والدك كنت أفكر كيف سيقابل أمير المؤمنين (عليه السّلام) صنيع والدك! حتى رأيت فيما يرى النائم في إحدى الليالي، كأن القيامة قائمة والناس محشورون في صحراء المحشر، وأنظارهم باتجاه بناء فعرفت – فيما بعد – أنه حوض الكوثر، فتقدمت نحو الحوض فوجدت أمير المؤمنين (عليه السّلام) واقفا على الحوض يسقي من يعرفه بأقداح من البلور، فما زال الأمر كذلك حتى سمعت همهمة قد ارتفعت من القوم، فقلت: ما الخبر؟! قيل: جاء الأميني، فصرت أنظر إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) كيف يواجهه وماذا يصنع به، فإذا به (ع) ترك الأقداح وملأ كفيه بالماء ثم نثره على وجه الشيخ الأميني، وقال: بيض الله وجهك بيضت وجوهنا، فعرفت عند ذلك منزلة الأميني عند أمير المؤمنين لتأليفه كتاب الغدير.

الغدير في الكتاب والسنة والادب

في عصر تموجات الفتن راى العلامة الاميني ان الشبهات طرأت في العقل الشيعي فقام ونفض نفسه وحمل على عاتقه تبيين الحق واعادة الصواب والدفاع عن الدين الحق فأنشأ موسوعةٌ في عدة مجلدات، جمع فيها كل ما يتعلق بيوم غدير خم من حديث وشعر وترجم فيه لشعراء الغدير.

بذل العلامة الاميني في هذه الموسوعة اربعين عاما من عمره وكان جل وقته في المطالعة والقراءة والاستنساخ بحدود ستة عشر ساعة في اليوم وقد قرأ ما يقارب مئة ألف كتاب حتى تمكن من تأليف هذا الكتاب الذي أثنى عليه العدو والصديق

وقد أصبح هذا الكتاب من اهم الكتب التي يستدل بها الشيعة بحقانية حديث الغدير وانه حديث متواتر وصحيح السند.

admin

اترك رد