بيعتي وانا صغير

الكاتب: محمد فيصل

{ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینا }

نزلت هذه الآية الشريفة في واقعة الغدير، والتي تعدّ من أهم الوقائع التاريخية في حياة الأمة الإسلامية. حيث قام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم – خلالها وبُعَيد عودتة من حجّة الوداع والتوقف في منطقة غدير خم – بإبلاغ المسلمين بالأمر الإلهي الصادر بتنصيب علي بن أبي طالب عليه السلام إماماً للمسلمين وخليفة له (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم، والتي انتهت بمبايعته عليه السلام من قِبل كبار الصحابة وجميع الحجاج الحاضرين هناك. (مقتبس)

أحبتي، لابد وأنكم قد سمعتم عن هذه الحادثة أو الواقعة كثيرًا واستخلصتم منها فوائد عديدة وها نحن ذا نسلط الضوء على فائدة مهمة جدا وهي نصرة الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، وربما تكون هذه الفائدة هي جوهر الحياة وأساس الدين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: “من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية” ومن هذا الحديث نستنتج انه يجب علينا معرفة إمامنا ونبايعه لكيلا نموت ميتة الجاهلية وندخل بها النار لان الجاهلية تعني عدم الاسلام ولا يدخل الجنة غير المسلم، ومعنى ان نبايعه بأن نطيعه في كل شيء ونسلم له تسليما مطلقا.

الان من هو إمامنا…؟! ومن الذي نصبه…؟! وأين هو…؟! 

لابد أن نطرح مقدمة قبل الاجابة عن هذه الأسئلة، نحن كموحدين نعترف ونعتقد بوجود الله عز وجل، وبالنبوة والإمامة أيضا. أي أنَّ الله عز وجل أرسل لنا الانبياء والأوصياء ليرشدونا الى طريق الحق، وخاتم الأنبياء هو النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الرابطة بين الخالق والمخلوقين في إيصال الاحكام والتشريعات الإلهية ولذلك هو إمامنا ونبينا، النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إمام.!! نعم انه إمام ونبي ومنزلة الإمامة أعلى وأشرف من منزلة النبوة. أمّا الإمام، فيجب ان نطيعه في كل شيء أمر به، ونقتدي بسيرته ونعمل بما يرضيه، وكما هو بديهي عندنا بأنه منصّب من قِبل الله عز وجل اذن فقد حصلنا على جواب السؤال الاول والثاني معًا، وهو أن إمامنا محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب وهو منصب من قِبل الله عز وجل، 

الان نأتي للسؤال الثالث أين هو؟

 وهذا السؤال كذلك يحتاج إلى مقدمة، فنقول إن الله عز وجل خلق الأرواح قبل الابدان وكلٌ له خصائصه فللرّوح خصائص وللبدن خصائص. من خصائص الرّوح أنّها لا تموت، وإنما عندما يقل ارتباطها بالبدن فإن البدن يموت، -وهذه تعبيرات مجازية نوعا ما ولا نريد الخوض فيها بشكل عميق – وإنّ روح إمامنا رسول الله قوية جدَّا، بحيث مازالت تؤثر في هذا الكون كما كانت قوة ارتباطها بالبدن، اذن بدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة وروحه تحيط بعالمنا، وبهذا عرفنا أين هو..، 

ولكن كيف نتواصل معه ونعرف أحكام الله؟ 

طبعا عندما كان حيًا في سنوات عمره الشريف، وبالتحديد منذ ولادته في ٥٧٠ ميلادية حتى وفاته في ٦٣٢ ميلادية كان الناس يتواصلون معه مباشرة بالكلام. فعندما يطرأ لأحدهم سؤال يذهب الى الإمام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسأله عن مسائله فيحصل على الجواب أو من خلال مشاهدة أفعال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيفعل كما يفعل رسول الله أو من خلال سكوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فعلٍ ما صدر من أحد الناس فهذا يعتبر حجة لان الرسول لا يمكن ان يرى منكرا فلا يعلّق عليه أو يغيّره، وبهذا صار عندنا قول وفعل وتقرير المعصوم حجة.

أمّا نحن، الذين ولدنا في زمن بعيد من إمامنا رسول الله، صرنا نأخذ التشريعات من خلال ما تم تسجيله من أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصار عندنا موروث روائي وهو بحاجة إلى تصحيح وتنقيح وتوضيح لان البعض حاول تغييره وتحريفه، وهذا ما تحمل عناءه علماؤنا الاجلاء من خلال الدراسة والتحقيق، لتبيان هذه الأحاديث للناس.

ومن هنا صار قول إمامنا رسول الله واضحا جليا. 

الآن نأتي لأهمّ ما قاله رسول الله والذي يتصل بزماننا هذا، أولا نأتي لمعجزة الله الخالدة وهي القران الكريم الذي هو صالح لكل زمان ومكان، ولكنا بحاجة لمن يوضحه لنا والذي يستطيع فهم القران وتوضيحه لنا هو إمامنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) كما هو قال.

حيث قال: “إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض”، فهذا الحديث يبين لنا ان بعد رحليه من عالم الدينا ترك لنا شيئين عظيمين وهما كتاب الله القران الكريم وعترته أهل بيته، ولكن من هم أهل بيته الذي جعلهم إمامنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كمثله في التشريع وجعلهم رابطة بين الخلق والمخلوقين كذلك؟ نعم إنكم تعرفونهم، إنهم الائمة الاثني عشر بالإضافة الى ابنته الوحيدة، فاطمة الزهراء عليها وعليهم السلام.

وأول هؤلاء الائمة هو الإمام علي عليه السلام، الذي تم تنصيبه من قِبل الله عز وجل عبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث امر الله سبحانه وتعالى رسوله بتنصيب الإمام علي خليفة من بعده ليكون إماما للناس بعد رسول الله ويرشدهم ويهديهم لطريق الحق، كما كان يفعل رسول الله.

لكن الامام علي (عليه السلام) لاقى ظلمًا وعداء كبيرا من أعداء الله، نفس وبعض هؤلاء ممّن بايع الإمام علي في يوم الغدير، ولكنهم نكثوا البيعة واغتصبوا الخلافة من الإمام علي (عليه السلام).

وبعد مرور قرابة ٢٥ سنة ماتوا، فرجع الناس الى الإمام علي (عليه السلام) بعد اشتداد الظلم والجور عليهم ليكون خليفة وإماما عليهم. وحتّى بعد ان اختاروه، انقلب الناس عليه. فمنهم من نكث ومنهم من قسط ومنهم من مرق، فقاتل عليه السّلام الناكثين، القاسطين والمارقين حتّى أطفأ فتنتهم، فلم يكفهم ذلك إلى أن قتلوا أمير المؤمنين على (عليه السلام) في محرابه، ليلة القدر ليلة التاسع عشر من شهر رمضان الكريم. 

حينما اقربت وفاة الامام، جاءه الأمر الإلهي بتنصيب ولده الحسن إمامًا للناس من بعده. هذا واستمرّت هذه المظلوميّة لأهل البيت (عليهم السلام) ويأتي الأمر الالهي بتنصيب إمام بعد إمام، وفي زمن كل إمام هناك ناكثين وطغاة يقتلون إمامهم، إلى حين وصلونا الى الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) الذي هو الأمل الموعود لنصرة الحق وملئ الأرض بالقسط والعدل، كما ملئت بالظّلم والجور. فأخفاه الله عز وجل عن الأعداء إلى حين اكتمال عدد مبايعيه الذين لا ينكثون أبدا ويبقون على بيعة إمامهم مهما كلفهم الأمر.

فهل نحن مبايعون للإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)؟ وهل نبقى على بيعته ولا ننكثها؟

نعم نحن مبايعون بيعة حق للإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) وبيعتنا الحقة هذه لها خصائص وصفات. وهي أنّا مؤمنون بأبآءه واجداده كلهم ونقتدي بسيرتهم, والعمل بما يرضيهم, لان رضاهم يعني رضى الرب، كما إنا نحي ذكرى افراحهم واحزانهم، ونحافظ على صلواتنا في أول أوقاتها، ونأدي جميع فرائضنا الشرعية من صوم وخمس وزكاة وغيرها من الفرائض الواجبة، ونعامل الناس برحابة صدر، ونخفف عنهم همومهم ونفرج عنهم ونساعدهم بما نستطيع، وننضم وننتسب إلى المؤسسات الدينية لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتوعية المجتمع، ونخدم في مأتم الحسين (عليه السلام)، ونبني شخصيتنا للإستعداد لظهور الحجة (عجل الله فرجه الشريف) ونمهد لظهوره كذلك.

فهذه هي بيعتنا الحقة وبالتأكيد لن ننكثها بشرط واحد بأن تكون عقيدتنا قوية فكل ما ذكرناه من صفات لبيعتنا الحقة لا تستمر دون عقيدة راسخة وقوية جدا، فعلينا بدراسة العقيدة وتقويتها وبالخصوص العقيدة المهدوية ومعرفة ما سيحدث في زمان الظهور وما هو تكليفنا الشرعي تجاه إمامنا الحجة (عجل الله فرجه الشريف).

الخلاصة

يوم الغدير هو يوم البيعة بيعة أمير المؤمنين وإمام الوصيين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) هو اليوم الذي بايع أمير المؤمنين خلقٌ كثير ولكنهم لم يستمروا في تلك البيعة، ونحن اليوم نجدد هذه البيعة من خلال مبايعة الإمام محمد المهدي بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فنقول اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول ابدا.

admin

اترك رد